المئات فى مظاهرات رافضة لتصريحات الإدارة الأمريكية عن ثورة 30 يونيو وضد السفيرة الأمريكية التى ساعدت فى وصول الإخوان للحكم
عندما شرعت فى كتابة هذا المقال، كان تقديرى أنه سيكون تعبيراً عن نجاح الإرادة الوطنية فى عرقلة مساعى الولايات المتحدة لتنفيذ النموذج السلفادورى الذى يعتمد على نشر «فرق الموت» والاغتيالات فى مصر، أسوة بما حدث فى العراق، والذى اضطلع فيه روبرت فورد -الذى كانت الولايات المتحدة تعتزم ترشيحه سفيراً لها فى القاهرة خلفاً لـ«آن باترسون»- بدور رئيسى، إلا أن الحملة الوطنية التى شاركنا فيها بقوة على صفحات «الوطن» بمقال طويل فى العدد 466 الصادر بتاريخ 8 أغسطس 2013 تحت عنوان «روبرت فورد.. فرق الموت.. واللعب على المكشوف»، هذه الحملة كشفت التاريخ الأسود للمرشح على النحو الذى لم يعد معه من الملائم ترشيحه رسمياً، لذا تصورت أن تعيين ديفيد ساترفيلد كقائم بالأعمال يمثل تعبيراً عن هزيمة الولايات المتحدة وتراجعها عن مخططاتها لتفتيت مصر فى انتظار الفرصة المواتية لاتخاذ القرار بترشيح سفير جديد يناسب المرحلة.
غير أن محاولة تأصيل الموضوع والبحث فى خلفياته كشفت أبعاداً بالغة الخطورة عن نشاط ومخططات السفارة الأمريكية فى القاهرة، لذا دعونا نبدأ بتقييم مرحلة «آن باترسون» بشكل غير تقليدى كمدخل ضرورى للموضوع.
■ ■ ■
نشر موقع ويكيليكس عدة وثائق تدين «آن باترسون» باعتبارها أحد أركان النظام الأمريكى المنفذ لخطط الاغتيالات فى عدة دول نامية، حتى إنها المسئولة عن اغتيال السيناتور بول ولستون، عضو مجلس الشيوخ الأمريكى المعروف بمعارضته للسياسة الأمريكية فى كولومبيا عندما كانت باترسون سفيرة لبلادها هناك، وقد غادرت أمريكا اللاتينية بعد أن رصد اليساريون حركتها الدؤوب، وتردد أنها نجت بأعجوبة من تفجير دُبر لاغتيالها.
بن لادن
وبعد أن تولت منصبها كسفيرة للولايات المتحدة فى باكستان فى يوليو 2007 طلبت منها بنازير بوتو، رئيسة الوزراء السابقة فى خطاب رسمى المساعدة فى إجراء تقييم للأمن وحمايتها، لأنها كانت تخشى على حياتها، لكن السفيرة الأمريكية -التى لم تتقبل تصريحات بوتو بعد شهر من وصولها إسلام أباد بأن «أسامة بن لادن قد قتل قبل أحداث 11 سبتمبر 2011 على يد عمر الشيخ»- كتبت للخارجية الأمريكية مذكرة أوصت فيها بتجاهل الرسالة، مؤكدة أنها طالبت بوتو بالتعاون مع حكومة «مشرف» لضمان حماية نفسها، واغتيلت بوتو وأكثر من 130 شخصاً فى أكتوبر 2007، بعد أن تعرض موكبها لهجوم إرهابى، وعلق مارك كواترمان الذى ترأس فريقاً للأمم المتحدة للتحقيق فى عملية اغتيال بوتو بأن الحماية الأمنية التى تم توفيرها لها كانت «سيئة للغاية وبالغة الإهمال»، أما رئيس أركان الجيش الباكستانى السابق الجنرال «ميرزا أسلم بك»، فقد أكد أن شركة «بلاك ووتر» الأمنية الأمريكية التى تستخدمها المخابرات المركزية الأمريكية فى عمليات الاغتيال هى التى اغتالت بوتو، مشيراً إلى أن باترسون سمحت للشركة بالوجود فى المدن الباكستانية الكبرى بما فى ذلك إسلام أباد وروالبندى وبيشاور وكويتا، وأنها وفرت مساكن لموظفيها من خلال إحدى الوزارات التى ساعدتهم أيضاً فى توفير شحنات الأسلحة والآليات اللازمة، كما منحتها الحصانة الدولية لضمان عدم محاكمة عناصرها على ما يقترفونه من جرائم، وينبغى هنا الإشارة إلى أن تقارير معهد «ذى نيشين» عن سجلات الحكومة الأمريكية تؤكد أنها تعاقدت فى يونيو 2004 مع شركة «بلاك ووتر» لتأمين خدمات «الأمن الدبلوماسى» للحكومة الأمريكية ضمن «برنامج خدمة حماية الأفراد والمسئولين الأمريكيين حول العالم» والذى تنفذه وزارة الخارجية.
لكن كيف تدير الولايات المتحدة علاقاتها مع «بلاك ووتر» فى العواصم التى لا تسمح لهذه الشركة سيئة السمعة بالوجود؟ يتم ذلك كما أشار الجنرال «ميرزا» -وهو يحذر الدول العربية- عن طريق وسيط هو سفارات «فرسان مالطا»، وهو ما يتسق مع ما سبق أن أكده محمد حسنين هيكل بشأن العلاقة بين تلك السفارة وحكومة الولايات المتحدة، ونشير هنا إلى أن أحد كبار أعضاء دولة «فرسان مالطا» الافتراضية وهو جوزيف سميتز، الذى عمل مفتشاً عاماً فى وزارة الدفاع الأمريكية، قد انتقل للعمل كمستشار فى مجموعة شركات «برينس» المالكة لشركة «بلاك ووتر»، وقد بلغ حجم أعمال الشركة فى العراق حوالى 100 مليار دولار، إذ كانت توظف حوالى 200 ألف مرتزق، معظمهم ينتمون إلى الأيديولوجية الصليبية، وكانت تمتلك أسلحة ثقيلة ومروحيات، كما قامت بالأعمال القذرة من تعذيب فى السجون ومذابح فى المدن العراقية.
وثمة إشارة عابرة لن أتوقف أمامها كثيراً، هى أن ضباط أجهزة الأمن السيادية الذين خدموا ميدانياً قد لاحظوا أن السفارة الأمريكية تقوم بتسيير مأموريات مرور حول القاهرة ومداخلها إبان الأزمات، بدأ ذلك فى أعقاب حرب أكتوبر لرصد أى تحركات تستهدف القوات الإسرائيلية التى كانت قد وقعت فى شرك ثغرة الدفرسوار، وكانت قواتها تمتد غرب القناة حتى الكيلو 101 طريق القاهرة - السويس، كما قامت بنفس هذا الدور خلال ثورة 25 يناير -تحديداً ليلة 28 يناير، التى قرر الإخوان خلالها المشاركة الصريحة فى الثورة بعد التنسيق مع الولايات المتحدة- حيث خرجت من جراج السفارة دفعة واحدة وفى طابور منتظم 12 سيارة دبلوماسية جميعها من ماركات لا يمكن تشغيلها إلا بالنسخة الأصلية لمفاتيحها، وبمجرد خروجها تحركت فى اتجاهات مختلفة، كان أحدها شارع قصر العينى الذى كان مكتظاً بالمتظاهرين الذين حاولوا إيقافها.. لكنها دهست العشرات منهم لأنه لم يكن مسموحاً بكشف انتماء قائديها مهما كان الثمن، وبعد استخدامهم فى متابعة أحداث الثورة فى مختلف الميادين وفى غياب كامل لأجهزة الأمن وتخلى مبارك عن الحكم، ضبطت الشرطة بعض هذه السيارات، أما البعض الآخر والذى كان يتعلق به مشاكل جمركية، فقد اختفى تماماً!.
- اقتباس :
- منذ وصول باترسون إلى القاهرة فى يونيو 2011 وضح أنها تعمل لصالح الإخوان وتتدخل فى شئون مصر الداخلية وتحول دورها إلى «مندوب سام» بعد وصول مرسى للحكم
■ ■ ■
عودة إلى أهم الأدوار التى لعبتها «باترسون» فى إسلام أباد، وقد كان هناك تنسيق فى مجال التعاون الأمنى بين بلادها وباكستان، إلى حد تنفيذ عمليات مخابراتية وعسكرية مشتركة ضد ما يسمى «مكافحة الإرهاب». وكنتيجة لهذا التعاون، تم زج الجيش الباكستانى فى الحرب ضد طالبان، فانتقلت الحرب من أفغانستان إلى باكستان، ليتورط الجيش الباكستانى فى مناطق «وزيرستان» الجنوبية، مما أدخله فى حرب استنزاف ممتدة، وهى أحد الأهداف التى كانت تسعى باترسون لتحقيقها فى باكستان، أليست تلك نفس الحرب التى يشنها الإرهابيون على الجيش المصرى فى سيناء والتى حولته إلى فرق لمكافحة الإرهاب ومحاولة منع الحرب الأهلية حتى ينشغل الجيش بالجبهة الداخلية وتصبح حدود مصر مستباحة، ولا ينبغى أن نصل إلى تلك النقطة دون أن نتذكر أن البرادعى تبنى فكرة تحويل الجيش المصرى إلى قوات للدرك الوطنى لمكافحة الشغب والإرهاب، فهل هو مجرد توارد خواطر برىء يصبغه حسن النية، أم أنه جزء من مخطط أمريكى شامل؟
أيضاً، فإن باترسون كانت دائماً أداة رئيسية لإقامة إعلام موازٍ لإعلام الدولة التى توجد فيها، يعتمد على الدعم الأمريكى وينحصر دوره فى المشاركة فى زعزعة الاستقرار وإحداث فوضى وبلبلة فى الدولة المستهدفة.
ومنذ وصولها إلى القاهرة فى يونيو 2011، وضح أنها تعمل لصالح الإخوان وتتدخل فى شئون مصر الداخلية، وعندما وصل مرسى إلى الحكم، كان واضحاً أن دورها تحول إلى «مندوب سامى»، حتى إن الشعب رفع صورها وعليها علامة (X) إبان ثورته فى 30 يونيو، لأنها أعلنت بوضوح رفضها الصريح إقالة مرسى، وفى 27 أغسطس أبلغت الخارجية الأمريكية مصر بانتهاء فترة باترسون وتعيين ديفيد ساترفيلد قائماً بالأعمال، وهو المنصب الذى لا يتطلب موافقة الدولة المعتمد فيها وفقاً لقواعد العمل الدبلوماسى، وكان أول مهامه فى مصر لقاء نبيل العربى أمين عام الجامعة العربية الذى أكد «ضرورة معاقبة وتحميل المسئولية للنظام السورى لأنه المسئول عما يدور فى سوريا، وهو الذى يملك السلاح الكيميائى والوحيد القادر على استعمال هذا السلاح».
بوتو
■ ■ ■
تخرج ديفيد ساترفيلد فى كلية الآداب 1976، وهو يجيد الحديث بالعربية. وكان قد التحق بالخدمة الخارجية عام 1980 وعمل فى جدة وتونس، وسفيراً فى بيروت ودمشق، ونائباً لرئيس البعثة الأمريكية فى العراق ثم كبيراً لمستشارى وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس، هناك عام 2009. وعمل مديراً لمكتب الشئون العربية - الإسرائيلية فى وزارة الخارجية الأمريكية من 1996-1998. تورط فى مطلع 2002 فى قضية تجسس لصالح إسرائيل، بتسريب معلومات «سرى للغاية» إلى مسئولين فى لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية «إيباك»، التى تمثل اللوبى اليهودى، لتوصيلها إلى إسرائيل، وهى معلومات تتعلق بإيران وسوريا وحزب الله والأوضاع العربية عامة. وقد ورد اسمه فى لائحة الاتهام عام 2005 برمز usgo-2، وقبل إيفاده إلى بغداد كنائب للسفير فى مهمة خاصة اطلعت حلقة صغيرة فى الخارجية الأمريكية على دوره فى التحقيق، كما سألوا وزارة العدل عما إذا كان التحقيق فى القضية يعيق تعيينه فى العراق، إلا أن عدم توصل التحقيقات إلى نتائج قاطعة مكنه من السفر. وعندما تيقنوا من إدانته أحيل للتقاعد من الخارجية فى مايو 2009 قبل بلوغه السن القانونية وعين مديراً للقوات متعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين بين مصر وإسرائيل فى سيناء ومقره روما.
■ ■ ■
لكن ما طبيعة مهمته فى العراق؟
فى 2004 كان دوره العادى فى السفر يقوده إلى الأردن، وقبل توليه مهام منصبه كانت الولايات المتحدة قد اتخذت قراراً بتنفيذ خطة تقسيم العراق باستخدام أدوات «الجيل الرابع من الحروب» وعلى رأسها «فرق الموت»، وأوفدت إلى بغداد السفير «جون نيجروبونتى»، رجل المخابرات والمسئول عن إسقاط أنظمة الحكم اليسارية المعادية للولايات المتحدة عن طريق تشكيل ميليشيات تولى تدريبها وتسليحها وتنظيمها فى تشكيلات «فرق الموت». وقد وصلت ضحايا هذه الفرق إلى أكثر من 50 ألفاً فى نيكاراجو و75 ألفاً فى السلفادور. كما أوفد روبرت فورد -رجل المخابرات أيضاً- كسكرتير أول للسفارة ومساعد لبونتى. وبعد أن انتهى نيجروبونتى وفورد من تشكيل فرق الموت تم استدعاء الأول لتولى منصب مدير المخابرات القومية الأمريكية الذى يشرف على 15 جهاز مخابرات وأمن فى الولايات المتحدة، وقد حل فورد محله كرئيس للبعثة، بينما استدعى «ساترفيلد» على الفور ليشغل منصب نائب السفير اعتباراً من مايو 2005 حيث بدأت أولى عمليات فرق الموت بعد وصوله بعدة أيام. وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس، قد أفصحت صراحة فى حديثها لـ«الواشنطن بوست» فى 9 أبريل 2005 عن أن أمريكا «ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلاقة creative chaos فى منطقة الشرق الأوسط لنشر الديمقراطية والحرية»، مستعينة هنا بمصطلح ماسونى تم استخدامه فى (بروتوكولات حكماء صهيون)، وهو يعنى إحداث حالة اجتماعية واقتصادية مريحة بعد إحداث فوضى مقصودة. وقد غادر فورد العراق فى 2006 إلى الجزائر كرئيس للبعثة، فى نفس الوقت الذى تم فيه تعيين «ساترفيلد» كبيراً لمستشارى «رايس» فى بغداد.
- اقتباس :
- السفارات الأمريكية أوكار لأنشطة المخابرات الأمريكية التى تستعين بشركات أمن أمريكية سواء بصورة مباشرة أو من خلال سفارة «فرسان مالطة»
■ ■ ■
الثورات العربية كانت حلم المواطن العربى الذى يأمل فى التخلص من فساد استشرى وبطالة دخلت كل بيت وإرهاب دولة مارسته النظم العربية المختلفة، لكنها كانت فرصة لتنفيذ الولايات المتحدة سياساتها فى المنطقة بتصعيد التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم، أولاً: لأن هذه التيارات كانت الأكثر تنظيماً بين القوى السياسية، وثانياً: لأنها نجحت فى اكتساب شعبية من خلال ما تعرضت له من «مظلومية» عبر عقود، وثالثاً: لأن رفع شعار الدين يمثل قوة جذب للمواطن العربى، ورابعاً: لأن معظم الاتجاهات المتأسلمة تنتمى أساساً إلى الإخوان وتؤمن بنظرية «دولة الخلافة» التى لن يتسنى تنفيذها دون إسقاط مؤسسات الدولة الوطنية، وتلك فرصة ذهبية لتقسيم المنطقة إلى دويلات عرقية طائفية يسهل التحكم فيها ويبعد أى تهديدات مستقبلية لإسرائيل، وخامساً: لأنها فرصة للتخلص من مخاوف الغرب من أن تؤدى الثورات العربية لاستعادة النزعة القومية التى تشكل تهديداً لمصالحها، وأخيراً: فإن ظهور دولة إسلامية تسودها الفوضى سيكون عنصر جذب للعناصر الإرهابية المتطرفة فى مختلف دول العالم، ومن ثم تبتعد تهديداتها عن الولايات المتحدة والغرب.
■ ■ ■
السفارات الأمريكية فى دول العالم -على نحو ما أوضحنا- أوكار لأنشطة المخابرات الأمريكية التى تستعين بشركات أمن أمريكية سواء بصورة مباشرة أو من خلال سفارات «فرسان مالطا» فى الدول التى لا تسمح لشركات الأمن الأمريكية بممارسة أنشطتها. ونظراً لما أكدته التطورات من تمسك الولايات المتحدة بتنفيذ خططها فى مصر سواء قبلنا بـ«روبرت فورد» سفيراً أو فى ظل وجود «ساترفيلد» كقائم بالأعمال، وهو لا يختلف عنه إلا من حيث كونه لا يحتاج إلى موافقة الحكومة، فإن هناك عدداً من التوصيات أتصور أن تنفيذها يعكس مدى جدية الحكومة فى مواجهة ذلك النشاط التخريبى من عدمه، وأهمها:
أولاً: المبادرة بتخفيض مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة إلى مستوى قائم بالأعمال وتجميد علاقات التعاون العسكرى والاقتصادى معها، وذلك كرد فعل وطنى لما قررته الولايات المتحدة من وقف للمعونة والتدريبات المشتركة.
ثانياً: تخفيض أعداد العاملين فى السفارة المصرية فى واشنطن والسفارة الأمريكية فى القاهرة (يتجاوز عدد عناصر المخابرات والدبلوماسيين فيها 1200 عنصر بخلاف المتعاونين) على أساس تبادلى وعلى نحو متساوٍ ومتكافئ، وهذا سيحد من قدرتها على التدخل فى الشئون الداخلية لمصر.
ثالثاً: التقدم بطلب ترحيل العسكريين الأمريكيين المتمركزين فى سيناء (عددهم 400 جندى) على أن يتم استبدالهم بمراقبين من دول محايدة.
رابعاً: إغلاق سفارة «فرسان مالطا» فى القاهرة، تلك الدولة الافتراضية التى لا تملك شعباً ولا أرضاً ولا حكومة، لكنه تنظيم يجمع بقايا «فرسان الهوسبتاليين» إبان الحروب الصليبيية، الذين منحهم الملك شارل الخامس جزيرة مالطا ومناطق قريبة من مدينة طرابلس فى ليبيا فى مارس 1530. وقد دافعوا عنها عام 1570 ضد حصار الأتراك الذى تجاوز ثلاثة أشهر، حتى دمروا القوة البحرية العثمانية عام 1571. وفى 1798 ساء حال الفرسان حين غزا نابليون بونابرت مالطا وأجبرهم على مغادرة البلاد. ورغم أن معاهدة 1802 أعادت إليهم الحقوق السيادية فى البلاد، فإنه لم تكن بالسهولة العودة ثانية إلى مالطا، لذا انتهى بهم المطاف بالحصول على مقر رمزى فى الفاتيكان عام 1834، تمثلها 96 سفارة «افتراضية» حول العالم، من بينها 6 فى الدول العربية ولا تمثيل لها فى إسرائيل.
قد تبدو هذه التوصيات نوعاً من الشطط فى ظل حالة العجز الراهنة عن اتخاذ قرارات مصيرية فى مواجهة مشاكل بالغة التعقيد لا تمس الأمن القومى للوطن فحسب وإنما تهدد وحدته وربما وجوده. فقط أذكركم ونفسى بأن مصر لم تمتلك أى مشروع قومى عبر تاريخها الحديث إبان فترة تحالفها مع الولايات المتحدة، وكل المشاريع القومية التى تم إنجازها تمت خلال الفترات التى وقفنا خلالها موقف مواجهة ورفض للتدخل الأمريكى فى شئوننا الداخلية.