يتعامل الناس بالصدق بدرجةٍ كبيرةٍ في معاملاتهم اليومية. فالتربية الدينية والتوجيه الاجتماعي يدعمان هذا الاتجاه الطيِّب في نفوس الناس، وتأتي المصلحة الشخصية لتؤكد على هذا المسلك النبيل.
يواجه الإنسانُ أحياناً مواقفَ محرجةٍ يسبّب الصدقُ فيها ضرراً بالقائل أو بالآخرين، فيفكر المرء في طريقة للخلاص من المأزق الذي وقع فيه. هناك وسائلُ عدّة للهروب من قول الحقيقة يفضّلُ البعضُ هنا السكوت على اعتبار أنّه لا يُنسَبُ لساكتٍ قولٌ. ولكنَّ الساكتَ يشيرُ إلى جهله بالموضوع في حين أنّه عالِمٌ؛ فسكوتُهُ له دلالةٌ، وهو نوعٌ من الكذب.
وعندما يعيا المرءُ في التخلُّص من الادلاء بالشهادة يفكِّر في الكذب كآخر حيلةٍ يتخلَّص به مما هو فيه. وقد يسترسلُ المرء في تعليل كذبه وإيجاد المبررات له بأنّه في مشكلة لا يخلِّصُه منها إلا الكذب، أو أن الصدق سيضرُّ به كأن يكلِّفه مالاً أو ينفِّر الناس منه أو تنخفضَ منزلته لديهم أو تسوءُ سُمعَته التي بناها في سنين.
لئن كان الصدقُ يضرُّ بصاحبه في الدنيا، فليذكر أنّ للصدق يوماً ينفع فيه، وتظهرُ ثمرتُه طيبةً هنيةً وافرة. قال الله تبارك وتعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (المائدة/ 119).
إنّ الصدقَ الحقيقي حينما يكون قول الحقيقة يجرُّ على صاحبه الخسارة الدنيوية بسقوط منزلته عند الناس، فلا يلتفت لهذا لأنّ الحفاظ على منزلته عندهم سيكون على حساب منزلته عند الله تعالى. ومنزلة الإنسان عند ربه مؤثِّرةٌ ومنزلتُهُ عند الناس لا تنفعهُهُ في الآخرة.
يقول الحارث المحاسبي – رحمه الله –: "الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كلُّ قدرٍ له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحبُ إطلاعَ الناس على مثاقيل الذرِّ من حُسنِ عمله".
يعني رحمه الله أنّ الإنسان من أجل سلامة قلبه يقولُ الصدق. وقد يجرُّ عليه قولُ الصدق أن تزول منزلتُهُ عند الناس. فإن كان صادقاً مع الله تعالى لا يُبالي بما جرَّ عليه صدقُه من زوال المنزلة، وأنّه لا يحبُ أن يطَّلعَ الناسُ على القليل من عمله الصالح خشيَةَ الرياء.
إنّ إمتحان الصدق ليس سهلاً. إنّه ليس إمتحان إختيار جواب في مسابقات مدرسية إنما هو إختبارٌ للعقيدة الإيمانية. اللّهمّ اجعل قلوبنا تحبُّ الحقَّ، وألسنَتنا تنطقُ بالصدق، ووفِّقنا للعمل بما يُرضيكَ عنّا يا كريم.