على الرغم من أن الوضع الاقتصادي في الأردن كان أحد أهم محركات المظاهرات التي انطلقت مع بداية الربيع العربي عام 2011 امتدادا لحركات اجتماعية ولدت قبل هذا الربيع، فإن هذا الوضع تفاقم برأي خبراء بشكل أكثر خطورة بعد مرور عامين على الحراك الأردني.
واللافت أن أول مظاهرة خرجت في الأردن على وقع الربيع العربي مطلع يناير/كانون الثاني 2011 في بلدة ذيبان التابعة لمحافظة مأدبا جنوب غرب عمان، كانت أسبابها اقتصادية وهي عدم وجود مخصصات للواء ذيبان في الموازنة العامة للدولة.
وطغت الشعارات الاقتصادية والمعيشية على تلك المسيرة، حيث رفع المتظاهرون لأول مرة صورة لرغيف خبز كتب تحته عبارة "أين أنت يا عزيزي؟".
وشكلت الشعارات والقضايا الاقتصادية عوضا عن قضايا الفساد أحد أهم محركات المسيرات والتحركات التي زاد عددها عن سبعة آلاف خلال عامي الحراك الأردني، جنبا إلى جنب مع الشعارات السياسية.
وكان واضحا حضور الاقتصاد في المشهد الأردني منذ مطلع 2011، حيث عمدت أربع حكومات من أصل خمس تعاقبت على إدارة المملكة خلال عامي الحراك، على عدم الاقتراب من الأسعار -لا سيما أسعار المحروقات والمواد الأساسية- أخذا بنصائح كثير منها أمني بأن مثل هذه القرارات ربما يفاقم الاحتجاجات ويوسع من انتشارها، رغم شكاوى هذه الحكومات من العجز المتفاقم بالموازنة.
هبة تشرين
وجاءت حكوم عبد الله النسور التي تشكلت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لترفع أسعار المحروقات والغاز المنزلي بنسب بلغت 54%، وهو ما أدى إلى أوسع موجة احتجاجات في المملكة سجلت خلالها خروج أكثر من مائة مسيرة خلال ساعة واحدة ليلة 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في ما عرف باسم "هبة تشرين" وفقا للتسمية التي اعتمدها نشطاء الحراكات.
وتسببت هذه الأزمة الاقتصادية برفع شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام" لأول مرة منذ انطلاق الحراك الأردني.
وبينما وعدت مؤسسات القرار في الدولة ابتداء بالملك عبد الله الثاني إلى الحكومة والبرلمان بإصلاحات اقتصادية جذرية جنبا إلى جنب مع تحريك قضايا فساد وإحالة بعضها إلى القضاء، أظهرت الأرقام تفاقم الأزمة الاقتصادية مع تصاعد الاتهامات بعدم وجود إرادة جادة بمكافحة الفساد واستعادة ما يسميه النشطاء والمعارضون "الأموال المنهوبة".
مؤشرات الأزمة
ولعل أبرز مؤشرات الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد هو الارتفاع المطرد في حجم الدين الأردني ونسبته القياسية من الناتج المحلي.
فالدين العام الذي بلغ مع بداية عام 2011 نحو 16 مليار دولار وبنسبة 61% من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفع نهاية نفس العام إلى 18.9 مليار دولار وبنسبة 65% من الناتج.
وارتفع الدين العام بشكل أكبر مع نهاية عام 2012 واقترب وفق تقديرات أولية من حدود 24 مليار دولار وشكل نسبة بلغت 75% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما دعا خبراء إلى التحذير من استمرار تفاقم أزمتي العجز والدين في المملكة.
ولجأت الحكومة نهاية 2012 إلى الاقتراض م صندوق النقد الدولي الذي اشترط تحرير أسعار المحروقات والغاز المنزلي والكهرباء واتخاذ سلسلة إجراءات للموافقة على منح المملكة قرضا بقيمة ملياري دولار.
ونفذت الحكومة الحزمة المتعلقة بالمحروقات وأسعارها، وتستعد لرفع أسعار الكهرباء، وهو ما يهدد بعودة الاحتجاجات إلى البلاد، رغم أن الحكومة تتذرع بخسائر شركة الكهرباء جراء تراجع تدفق الغاز المصري إلى الأردن مجددا، وهو التراجع الذي تسبب -حسب الحكومة- إلى تحميل الخزينة عجزا وصل إلى أربعة مليارات دولار خلال عامي الربيع العربي.
وبرأي الخبير الاقتصادي سلامة الدرعاوي فإن عناوين الأزمة الاقتصادية في الأردن لا تزال نفسها بعد عامين من الحراك المطالب بالإصلاح.
وأوضح الدرعاوي للجزيرة نت أن البلاد ما زالت تعيش رفعا للأسعار وسوء توزيع لمكتسبات التنمية وأن النمو الاقتصادي ضعيف، مشيرا إلى تحديات معيشية هائلة، فضلا عن الإنفاق الحكومي غير الرشيد الذي أدى إلى ارتفاع قياسي في مستوى الدين.
وأشار إلى أن الحكومات الخمس التي أدارت البلاد خلال عامي الحراك لم تعمل على حل الأزمة الاقتصادية، وإنما قامت بترحيلها، مما أوصل البلاد إلى وضع اقتصادي خطير أخضعها لاشتراطات صندوق النقد الدولي.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومات كانت تتطلع دوما إلى حل الأزمات عبر المنح الخارجية التي اعتبر أن من الخطورة الاستمرار في التعويل عليها.
وكان الأردن قد حصل على 1.25 مليار دولار خلال عام 2011، كما حصل على نحو 1.2 مليار عام 2012 بعدما تفاقمت احتجاجات الشارع، ويتوقع أن يحصل على 1.3 مليار دولار أخرى خلال العام الجاري.
انهيار الدينار
وبالنسبة لخطر انهيار سعر صرف الدينار الأردني الذي حذرت منه الحكومة نهاية العام الماضي، أوضح الدرعاوي أن هذا الخطر لا يزال ماثلا، وما منع من هذا الانهيار ودائع أرسلتها الإمارات والكويت والسعودية إلى البنك المركزي الأردني رفعت من حجم الاحتياطي النقدي.
كما تحدث عن أنه إضافة إلى الأزمة المحلية فإن تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة العربية يزيد من أعباء الاقتصاد المحلي، وهو ما أدى إلى تراجع الدخل السياسي وعدم تدفق الاستثمارات وتراجع حوالات العاملين في الخارج.
وذهب الدرعاوي إلى القول إن الأزمات الاقتصادية وانتخاب برلمان يُخشى مع عدم إدراكه لخطورة الأزمة وتوجه الحكومة إلى رفع أسعار الكهرباء، قد تفاقم الاحتجاجات في الشارع مما يمنح الحراك الأردني وقودا جديدا للاستمرار.